29/03/2024

تدمر الزراعة وتنشر الجوع “دودة الحشد” لأول مرة في مصر

لأول مرة في مصر ظهرت “دودة الحشد” تلك الحشرة التي تدمر المحاصيل الزراعية وتصيب أكثر من 80 نوعا نباتيا، وتترك خلفها آثار مدمرة، كما فعلت حين ظهرت لأول مرة في أفريقيا عام 2016 وانتشر الجوع بعدها، وأهلكت محاصيل بمليارات الدولارات.

ففي شهر مايو المنصرم ظهرت تلك الحشرة الفتاكة في المحاصيل الزراعية بقرية العقبة بمركز كوم أمبو بأسوان، التي كانت أولى القرى المتضررة من “دودة الحشد” حتى خرجتوزارة الزراعة، أمس الأول الخميس، وأصدرت بيانا أكدت فيه دخول دودة الحشد لمصر بعد أخذ عينةمن أحد حقول الذرة الشامية في قرية العقبة، وتأكد إصابتها بدودة الحشد الخريفية.

وبحسب تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة “فاو”،  فإن “دودة الحشد” الخريفية شديدة الخطورة على المحاصيل الزراعية، وصلت إلى أنها سببت انتشار الجوع في أفريقيا، فهي آفة حشرية تصيب أكثر من 80 نوعا نباتيا، وتسبب ضرر بالغ لمحاصيل الحبوب الهامة اقتصاديا، مثل:الذرة الشامية، الأرز، الذرة الرفيعة، قصب السكر، وكذلك المحاصيل الخضر والقطن.

بداية ظهورها وخطورتها

“دودة الحشد” موطنها الأصلي في الأمريكتين، وظهرت لأول مرة فى إفريقيا، فى يناير 2016، عن طريق السفن أو الطائرات، وكبدت المزارعين الأفارقة ما يزيد عن 5 مليارات دولار خسائر لمحصول الذرة فقط، وطالت هذه الخسائر نحو 300 مليون مزارع أفريقي تعتمد حياتهم على هذا المحصول، بحسب تقرير منظمة الفاو.

أما عن ظهورها في مصر فتم رصدها لأول مرة فى مايو 2019، في حقول الذرة الشامية في قرية العقبة بمركز كوم أمبو بأسوان.

ورغم أن تناول المحاصيل المصابة بالحشرة الفتاكة، لا يسبب مشاكل صحية، إلا أنه قد تتعرض الأجزاء المصابة لهجوم من بعض الفطريات السامة.

ويقول تقرير منظمة الفاو إن “دودة الحشد” أصبحت أحدث أعداء المزارعين في إفريقيا في الفترة الأخيرة، والاسم العلمي لها يأتي من اللغة اللاتينية Spodoptera frugiperda، وتعني كلمة frugiperda “الفاكهة المفقودة” بسبب قدرة هذه الدودة على تدمير المحاصيل.

 

وبعد ظهور “دودة الحشد” في أفريقيا بدأت تنشر أجنحتها في جميع أنحاء القارة وتنقلت من بلد إلى آخر حتى اجتاحت أكثر من 40 بلدا، وأصبحت هذه الدودة تنتشر بسرعة وتلتهم المحاصيل ولا يمكن التخلص منها.

 

وفي معظم مناطق أمريكا الشمالية، تصل دودة الحشد الخريفية موسميا، وبعد ذلك تموت في أشهر الشتاء الباردة، ولكن في معظم أنحاء أفريقيا التي لا تشهد انخفاضا كبيرا في درجات الحرارة، تعيش دودة الحشد الخريفية على مدار العام مسببة قلقا دائما للمزارعين.

 

ويعتبر الطور اليرقي للحشرة هو الطور الضار، وتقوم الحشرة بالتكاثر بمعدل عدة أجيال في السنة الواحدة، ويمكن ليرقاتها أن تقطع ما يصل إلى 100 كلم في الليلة الواحدة، كما أنها قادرة على الهجرة لمسافات طويلة، وتتوالد بشكل كبير حيث يمكن لليرقة خلال حياتها أن تضع ما يقرب من ألف بيضة.وتستطيع الحشرات الكاملة (الفراشات) الطيران لمسافات طويلة تصل إلى 100 كم في الليلة الواحدة.

 

وتعد الفراشات المؤنثة ذات قدرة عالية علي الطيران، وتستمر في الانتشار ويمكن أن تتعداها، ويستمر تعداد “دودة الحشد” الخريفية في الزيادة وخاصة في حال توفر نباتات عائلة للتكاثر عليها بالإضافة إلى غياب تعدد الأعداد الحيوية الطبيعية مثل المفترسات العامة كالنمل وإبرة العجوز، بالإضافة للمفترسات المتخصصة وكذلك الكائنات الممرضة للحشرات مثل الفيروسات، البكتريا، والفطريات.

المكافحة

وبدورها أعلنت لجنة مبيدات الآفات الزراعية ومعهد وقاية النباتات والإدارة المركزية لمكافحة الآفات الخطوات الأساسية في إدارة “دودة الحشد” الخريفية والتحكم والسيطرة علي نشاطها للحد من تأثيرها على الإنتاج الزراعي.

 

وتتمثل أول الخطوات التي صرح بها محمد محمد عبدالمجيد رئيس لجنة المبيدات بالوزارة، في بيان صحفي، هي المنع والحماية والذي يتمثل في الوسائل الزراعية وإزالة العوائل المصابة والمنزرعة في غير الميعاد المناسب.

أما الخطوة الثانية فهي متابعة المحصول ورصد ما يحدث به من تغييرات، وتشخيص المشكلة وتحديد الأهمية الاقتصادية للآفة والحد الاقتصادي للضرر ثم اتخاذ قرار المكافحة.

والخطوة الثالثة تتمثل في تحديد الوسيلة المثلى للمكافحة ووقت التدخل وتبدأ باستخدام الاعداء الحيوية (التريكوجراما والمتطفلات والمفترسات والفيروس المتطفل على دودة الحشد الخريفية (NPV ).

 

ولفت عبد المجيد إلى إمكانية المكافحة باستخدام المبيدات، وذلك باختيار المبيد وفق “العمر النباتي والعمر اليرقي في حالة البادرات والنموات الحديثة ووجود لطع البيض أو فقس حديث أو العمر اليرقي الثاني يتم استخدام أحد المبيدات الحيوية مثل “BT”، وفي الأعمار الوسطية يستخدم مبيد “الأماميكتين بنزوات” وفي حالة وجود إعمار متقدمه الرابع حتى السادس”.

 

ونصح باستخدام مبيد “الكلوروبيريفوس”، مؤكدًا أنه في جميع الأحوال لا يسمح بجمع الذرة أو دخول حيوانات المزرعة إلى الحقل قبل مرور أسبوعين من الرش، وستتم  عمليات إطلاق طفيل”التريكوجراما” فى حقول قصب السكر والذرة فورًا مع إمكانية استخدام بعض الوسائل الميكانيكية فى حالة الإصابات المحدودة.

 

وأكد الدكتور محمد عبدالمجيد رئيس لجنة المبيدات، إنه جرى اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير اللازمة لمكافحة هذه الحشرة مع التوعية المستمرة للمزارعين والتواجد الميدانى معهم لمساعدتهم فى أعمال المكافحة.

نصائح “الفاو” 

وتعمل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة مع الدول الأعضاء من جميع أنحاء العالم لتحديد التوصيات لأفعال المزارعين، بما في ذلك المبيدات الحشرية الفعالة، ولكن مع انخفاض مخاطرها على البشر والبيئة.

وقدمت منظمة الفاو، مجموعة من النصائح التي تساعد في الحد من انتشار “دودة الحشد” أبرزها استخدام المقاومة البيولوجية لمكافحة دودة الحشد الخريفية، كما أنه توجد العديد من الكائنات الحية التي يمكن أن تساعد في مكافحة “الحشد”، مثل المفترسات، والمتطفلات العامة وبعض مسببات الأمراض الحشرية، وجميعها موجودة بالفعل في الدول الإفريقية.

 

وأشارت المنظمة أيضا إلى إمكانية استقدام أنواع أخرى من المفترسات والمتطفلات المتخصصة وبعض سلالات مسببات الأمراض الحشرية والتي تتركز في الأمريكتين، كما يمكن استخدام بعض النباتات الطاردة للدودة.

 

وتعكف الفاو حاليا على دعم تصميم واختبار برنامج إدارة آفات مستدام لأصحاب الحيازات الصغيرة في أفريقيا، وتتمثل أولي الخطوات في النظر إلى خبرات المزارعين والباحثين في الأمريكيتين، ومن ثم فإن أفضل الممارسات الموصي بها سوف يتم تجربتها وتبنيها في الحقول من خلال المدارس الحقلية للمزارعين.

 

ما يفعله المزارعون

وتقول منظمة الفاو، بحسب ما هو منشور على موقعها الإلكتروني، إنه يمكن مواجهة “دودة الحشد” الخريفية بحيث لا تدمر سبل عيش السكان، إذ يجب على المزارعين أن يعرفوا كيفية التعرف على دودة الحشد الخريفية وأضرارها، وأن يفهموا سلوكها،  كما عليهم أن يتعلموا كيفية مراقبتها، وكيفية تحديد أفضل الطرق للتعامل معها وخفض تأثيرها.

 

ولمساعدتهم على ذلك، فقد اصدرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) دليلاً يتضمن عدة نصائح حول العديد من الأمور ومن بينها كيفية الوقاية من “دودة الحشد” الخريفية والتعرف عليها ومراقبتها بهدف القضاء عليها.

 

وفيما يلي بعض الأمثلة: ازرع الذرة مع محاصيل أخرى مثل الكاسافا أو البطاطا الحلوة، تجنب الزراعة المتأخرة، قم بالتقاط وقتل البيوض واليرقات الموجودة على أوراق نبات الذرة، رش الذرة المصابة بالمبيدات النباتية (المستخدم فيها نبات النيم أو أي نبات آخر)، ضع الرماد أو التربة أو الرمال في قلب النبتة (الذي تقتات عليه الدودة)، قم بحماية وتشجيع وجود العوامل البيولوجية الطبيعية التي تحمي النباتات (“أصدقاء المزارع”).

 

وبإطلاق هذا الدليل، بدأت الفاو برنامجاً يشمل القارة بأكملها من أجل المكافحة المستدامة لدودة الحشد الخريفية، يستهدف الوصول إلى 10 ملايين مزارع من خلال 40,000 مدرسة من مدارس المزارعين الحقلية خلال خمس سنوات.

 

وإضافة إلى الدليل، يجري العمل حالياً على إطلاق تطبيق نظام إنظار مبكر من دودة الحشد(FAMEWS) في أرجاء القارة. وسيمكن هذا التطبيق، الذي ستطلقه الفاو، المزارعين والموظفين الزراعيين وغيرهم من إرسال معلومات مهمة للغاية حول مستوى انتشار “دودة الحشد” الخريفية، ويساعد على الخروج بمعلومات مفصلة وموثوقة ضرورية للتعامل مع هذه الآفة.

 

تجارب آمنة  

وأشارت المنظمة في تقرير لها، إلى أنه يمكن للمزارعين التعامل مع “دودة الحشد” الخريفية بطريقة لا تهدد البيئة والصحة، مستشهدة بتجارب بعض الدول، إذ تقول إنه في مواجهة هذا العدو الجديد، لجأت العديد من الدول الأفريقية إلى استخدام مبيدات الآفات الصناعية لمكافحة “دودة الحشد” الخريفية.

 

وتضيف :”انبثقت هذه الاستجابة من شعور هذه الدول بضرورة التحرك لمواجهة حالة طارئة، وليس على أساس تحليل دقيق للتكاليف والفوائد”.

وعلى الأغلب، بحسب المنظمة،  يتم استخدام جزيئات المبيدات الأقدم، والتي تعتبر خطرة وممنوعة في الدول الصناعية، بسهولة وعلى نطاق واسع في الدول الإفريقية. وتعرض هذه المنتجات صحة المزارعين وبيئتهم للخطر.

ولفتت المنظمة إلى أنه تم اختبار وتطوير وتسجيل المبيدات الحيوية، بما فيها تلك التي تعتمد تركيبتها على البكتيريا والفيروس والفطر، في الأمريكيتين واستخدامها بنجاح هناك، كما أثبت الأعداء الطبيعيون لدودة الحشد الخريفية أنهم بالفعل مقاتلون شرسون لهذه الآفة، وقد بدأ المزارعون الأفارقة برؤية فوائدها.

 

ومن بين أهم الوسائل التي يمكن للمزارعين في أفريقيا استخدامها لمكافحة “دودة الحشد” الخريفية تنويع المحاصيل والنمل ومحاليل النيم وغيرها من النباتات والعضويات الفطرية والفيروسية، والمراقبة والتعلم المستمرين.

 

وشددت الفاو على أن التعامل مع “دودة الحشد” الخريفية تبدأ من الوقاية، محذرة من أنه من المؤكد أن دودة الحشد الخريفية ستواصل الانتشار، ولذلك فعلى الدول التي لم تتضرر من هذه الآفة ولكن من المرجح أن تتضرر بها قريبا، أن تكون مستعدة.

 

ونبهت على أنه يجب على الدول أن تنشر الوعي بدودة الحشد الخريفية يبن المزارعين والزراعيين العاملين على الخطوط الأمامية،  كما يجب استخدام أنظمة الإنذار المبكر على مستوى المجتمعات واستخدام الموارد المتوفرة ومن بينها دليل الفاو حول دودة الحشد الخريفية.

تصنيفات