قررت الموجة النسوية الثالثة أن تهتمّ بمناصرة الأقليات من النساء وجعل النسوية أقل بياضًا – لا تقتصر على النساء البيض من طبقة معينة -، فحاولت الدفاع عن حقوق النساء اللواتي يتعرّضن للتمييز بسبب اللون أو الوزن أوغيرهما، فظهر توجُّه يسمى بـ«نسوية السمنة» يناصر النساء اللواتي يعانين من التمييز بسبب وزنهنّ ويتلقَّين ضغطًا مضاعفًا بسبب شكل أجسادهن مقارنةً بالرجال زائدي الوزن، فهن يعانين من عنصرية تحكم على نمط حياتهن وعلى عملهن وعلى أمورهن الشخصية وحتى على علاقاتهن العاطفية.
وفي عام 1997 نشرت سوزان أورباخ كتاب «السمنة قضية نسوية» وهو وقت كان الحديث فيه عن اضطرابات الأكل والصحة الجسدية وارتباطها بالصحة النفسية في بدايته، فقالت أورباخ – باعتبارها مؤسسًا مشاركًا لمركز العلاج النسائي في لندن ضمن مجموعات لرفع الوعي لدى النساء – أنّ: «السمنة تتعلق بالحماية النفسية، والحماية من القوالب النمطية القائمة على الجنس والخيارات المحدودة المتاحة للنساء وكأن السمنة هنا تعني القول لا للعجز ونكران الذات وباعتبارها شكلًا من تعزيز الوعي والتمكين».
وجدت عدّة نساء العزاء في رسالتها وبدأن بمناصرة الفكرة وأطُلقت بعدها عدة مصطلحات تجعل النساء مرتاحات تجاه أجسادهن مثل «الإيجابية الجسدية، وتقبُّل الذات، والصورة الإيجابية عن الذات» اتخذنَ منها شعارات تزيد من ثقتهن بأجسادهن وتجعلهن يطالبنَ المجتمع بتقبلهنّ بغض النظر عن وزنهن.
غضب نسوي أبكر مما يجب
«قالت البائعة لأمي: «الفساتين مش هتبقى حلوة عليها عشان هي كلبوظة شوية». كانت تلك أول مرة أشعر فيها بالغضب الشديد من تلك الكلمة، لكن مع مرور السنوات تعودت سماعها. في كل مرة كنت أدخل محل ملابس، كان لا بد أن أسمع كلمات مثل «هتبقى ضيقة عليكِ» أو «مفيش منها مقاسك».
كنت أرى فتيات في مثل عمري يرتدين ملابس قصيرة وأنا ممنوعة منها، لأن والدتي كانت ترى أن الفتيات البدينات لا بد أن يرتدين ملابس واسعة وفضفاضة لمحاولة إخفاء «عيوب أجسادهن». شعرت بالدونية وبأن عليَّ أغلب الوقت أن أتوارى عن الأنظار لأني بدينة ولدي بضعة كيلوجرامات زائدة».
العبارات السابقة هي للكاتبة المصرية شيماء محمد، ولكي نفهم غضب شيماء هذا، تتحدث ستيسي كارتر عن البعد الاجتماعي للسمنة: «هناك طابع من الضعف يُضفى على الأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة، وكثيرًا ما يُعنى ضمنًا أنهم كسالى، أو يفتقرون إلى قوة الإرادة، أو يعانون من الجشع، أو التملُّص من المسؤولية الشخصية. ويستخدم هذا الرأي لإضفاء الطابع الشرعي على التمييز الموثق جيدًا الذي يعاني منه الأشخاص الأثقل، ولا سيما النساء، خصوصا الفتيات الأصغر سنًا».
وتبين البحوث أن اتباع نظام غذائي لإنقاص الوزن والخوف من السمنة أصبح شائعًا الآن بين الفتيات اللواتي تقل أعمارهن عن تسع سنوات، وتصاعد بشكل كبير خلال فترة المراهقة. ويزداد خطر الإصابة باضطراب الأكل بثمانية أضعاف في الحمية الغذائية للفتيات البالغات من العمر خمسة عشر عامًا مقارنة بالفتيات اللاتي يبلغن من العمر تسعة عشر عامًا.
الطفولة أصل كل شيء
النظرة السلبية للجسد لها عدة أبعاد اجتماعية، فمنذ عمرٍ صغير تُوجّه الفتاة للتركيز على المظهر الخارجي مقارنة بالصبيان، نعلمها كيف تصفف شعرها وكيف تطلي أظافرها وكيف تجمِّل وجهها وكيف تلبس ملابس أنيقة وجذابة وكيف تختار الإكسسوارات المناسبة وهكذا. بالمقابل يكون توجيه الفتيان في نفس العمر إلى ممارسة الرياضة وتحسين قدراتهم العضلية والرياضية، فجاذبية المظهر ليست شرطًا أساسيًا للذكور كما هو الأمر للإناث.
لو أخذنا مثالًا آخر، للتعبير عن جمال الرجل نقول عنه «وسيم handsome» ولو رجعنا لمعنى الوسامة في العصور الوسطى، فقد كانت تعبر عن قدرة الرجل على جذب النساء بسلوكياته وتصرفاته بينما كلمة «جميلة pretty» تعبر عن مظهر المرأة الخارجي فقط، فجمال الرجل يظهر فيما يقوم به ولكن جمال المرأة يحدد بمظهرها فقط.
لذلك من المتوقع من المرأة أن تسيطر على مظهرها بشكل أكبر، لأنها «تبرمجت» منذ الصغر على ذلك، فمثلما يُتوقع منها أن تهذب مظهرها، فتح ذلك الباب على أن يُتوقع منها أن تسيطر على الكثير من سلوكياتها كالتعرُّق مثلًا أو التجشؤ أو الكلام المهذب الخالي من الشتائم، كل هذه الأمور متوقعة من النساء أكثر من الرجال ،كذلك السمنة من نفس الفئة، تُعامل الفتيات زائدات الوزن بتمييز أكبر من الفتيان لأنه متوقع منهن السيطرة على وزنهن أكثر.
الرجال لا يأبهون
فيما تحدّد نسبة السمنة بين النساء عام 2015 ما يقارب 58% من مجموع النساء وما يقارب 70% من الرجال، فإن 22٪ من الرجال فقط يقولون أنهم غير راضين عن مظهرهم مقارنة بـ 54٪ من النساء، فلماذا تعاني النساء من النظرة السلبية تجاه أجسادهن إذن؟
في الواقع، النساء البدينات بدانة معتدلة -بمعدل 30-35- هم أكثر احتمالًا للتعرض لتجربة تمييز من الرجال بنفس المعدل ثلاثة أضعاف. ويكمن قلب المشكلة هنا وفقًا للباحثين في «مركز رود للسياسة الغذائية والبدانة في جامعة ييل»، ليس في التمييز فحسب، بل في أن زيادة الوزن والبدانة مرتبطتان بالعار، وهذا يمكن أن يؤدي إلى الاكتئاب. والاكتئاب من العوامل الخطرة التي تؤدي إلى الإفراط في تناول الطعام، وبالتالي تستمر الدورة.
زائدو الوزن ضد أنفسهم
هناك دراستان أجريتا باستخدام اختبار «الارتباط الضمني» -وهو اختبار يقيس درجة تحيز الشخص لفئة معينة أو عنصريته ضدها اجتماعيًا أو جنسيًا أو دينيًا- لدراسة المعتقدات بين الأفراد الذين يعانون من زيادة الوزن حول «الناس السمينين» مقابل «الناس النحيفين»، في الدراسة الأولى تم جمع 168 مريضًا يعانون من زيادة الوزن (60 امرأة، و8 رجال؛ مؤشر كتلة جسمهم تساوي 37). وشملت الدراسة الثانية 48 مشاركًا يعانون من زيادة الوزن (33 امرأة و15 رجلًا – مع مؤشر كتلة الجسم يساوي 34) النتائج أظهرت أن المشاركين يُظهرون تحيز كبيرًا ضد السمناء عبر العديد من الصفات والقوالب النمطية. كما أيدوا الاعتقاد الصريح بأن الأشخاص السمناء أكثر كسلًا من الأشخاص النحيفين.
وهذا أمر مخيف؛ لأنه وعلى عكس الأعضاء المكونين للأقليات الأخرى (أقلية عرقية أو جندرية مثلًا)، فإن الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن ليس لديهم مواقف داعمة وأكثر إيجابية تجاه أعضاء المجموعة نفسها. هذا الانحدار في قيمة المجموعة وترابطها هو من آثار تغيير وصمة العار من السمنة، ويساعدنا ذلك في فهم التأثير النفسي والاجتماعي على المتضررين من السمنة.
أيهما تفضِّل؟ مدمنة مخدرات أم ذات الوزن الزائد؟
بالعموم، الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن يعانون من مضايقات وتمييز بغض النظر عن جنسهم، من أرباب العمل وفي الرعاية الصحية وبين الأصدقاء والعائلة وفي كل المجالات، لكن معظم الدراسات تظهر أيضًا أن النساء يتأثرن بهذا التمييز أكثر من الرجال، إليك هذه النقاط التي توضح الأمر:
- للذكور رغبة أقل بكثير في العمل مع امرأة سمينة، في المقابل لم يكن هناك اختلاف بين الجنسين في الرغبة في العمل مع رجل سمين.
- المرشحات السياسيات «البدينات» يُقيّمون بشكلٍ سلبيّ بشكل عام، من ناحية الموثوقية والاعتمادية والصدق والقدرة على الإلهام والقدرة على أداء وظيفة شاقة، من المرشحات غير البدينات. ولم تُظهرهذه الدراسة ذلك فحسب، ولكن تم تقييم الرجال زائدي الوزن بشكل إيجابي أكثر من الرجال غير السمينين في هذه الدراسة.
- في مجال المبيعات وُصفت «زيادة الوزن» في الموظفة سببًا سيؤدي أن تُعيّن في مناطق المبيعات غير مرغوب فيها وأقل احتمالًا أن تُعيّن في منطقة هامة أو مرغوب فيها. وكان هذا التمييز أقوى تجاه النساء السمينات من الرجال السمينين.
- وقد أظهرت الدراسات الطولية التي تستخدم مجموعات البيانات الكبيرة (الولايات المتحدة) انخفاض التحصيل المهني،وانخفاض الأجور مدى الحياة لدى النساء السمينات -حتى بعد التحكم في وضع التعليم والوضع الاجتماعي والاقتصادي للجنسين في الدراسة- مقارنة بالرجال السمينين.
- ثلثا النساء البالغات في الولايات المتحدة يصنفن على أنهن يعانين من «زيادة الوزن»، لكن فقط من 5-22 % منهنفقط يعملن مديرات تنفيذيات والبقية نساء نحيفات.
- طلب باحثون من طلاب الجامعات تقييم جاذبية الشركاء المحتملين ووجدوا أن الرجال كانوا أكثر عرضة لاختيار الشركاء الجنسيين على أساس الوزن من النساء. وصنف المشاركون الذكور النساء «البدينات» على أنهن أقل جاذبية من النساء اللواتي يفقدن أحد أطرافهن، أو على كرسي متحرك، أو مريضة عقليًا، أو من تعاني من أمراض تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي.
- المستجيبون -الذكور- لإعلان شخصي كانوا أكثر ردًا وتفاعلًا مع الإعلان الذي وصف امرأة بأنها تتعافى من إدمان المخدرات مقارنة بالإعلان الذي وصفها بأنها زائدة الوزن.
- ربما في واحدة من أكثر الدراسات المثيرة للقلق للجميع، أُرسل لأطباء حالات افتراضية لأشخاص يعانون من السمنة بأرقام تختلف في مؤشر كتلة الجسم . لكن كلهم بحاجة لخسارة عدد متساو من الدهون للوصول إلى الوزن الطبيعي ، وطُلب من الأطباء تقديم توصيات للحالات فتبين أن الأطباء أكثر عرضة للتوصية بفقدان الوزن وممارسة الرياضة أو اتباع نظام غذائي معين للإناث، وكانوا أكثر عرضة للتثبيط، فيما أوصوا الذكور بـاتباع نظام غذائي مع تشجيع على قبول شكلهم مقارنة بالإناث.
- المهنيون في مجال الصحة النفسية ليسوا بمنأى عن الممارسات التمييزية أيضًا، ففي إحدى الدراسات، أُرسل لنحو 100 من علماء النفس وصفًا ذاتيًا لعميل أنثى افتراضية يرافقه صورة إما سمينة أو نحيفة. وكان علماء النفس الذين تلقوا صورة السمينة أكثر عرضة لتشخيصهن باضطراب الأكل واقتراح إما «تحسين صورة الجسم» أو «زيادة الارتياح الجسدي» بوصفها أهدافًا للعلاج.
بكيني ولا أبالي.. «عارضات بوزن زائد Plus Size Models»
هل أدت معاملة المجتمع غير المنصفة للمرأة ذات الوزن الزائد إلى خلق تصرف يمكن أن يصفه البعض بـ«المتمرد»، بمعنى: هل يصير الممنوع مرغوبًا لذاته؟
تيس هوليداي امرأة عمرها 31 عامًا بوزن 127 كيلو تصف نفسها بعارضة أزياء زائدة الوزن Plus Size model ولها صفحة على إنستجرام effyourbeautystandards فيها ما يزيد عن 300 ألف متابع. تطلب هوليداي من النساء زائدات الوزن الابتعاد عن الخزي الجسدي والإيمان بصورتهنّ الجسدية مع عدم تصديق خرافات الموضة التي تفرض عليهن ما يناسبهنّ وما لا يناسبهنّ وتشجعهنّ على إرسال صورهن لها على حسابها بألبسة ليسوا معتادات على رؤية ذوات الأوزان المرتفعة فيها.
بدأت أكتشف عالم عارضات الأزياء البدينات في أوروبا، وكيف أنهن جميلات واثقات بأنفسهن ويرتدين ما يحلو لهن، حتى أنهن لا يخجلن من ارتداء البكيني. أدهشني وجود أماكن مخصصة لبيع الملابس النسائية بجميع المقاسات والأشكال، منها محال متخصصة في ملابس النحيفات تمامًا، أي أن الفتاة البدينة ليس عليها الاختفاء داخل قطع كبيرة من القماش، ويمكنها ارتداء كل شيء وأي شيء. كل ذلك، وبالأخص «تِس»، أثر في تفكيري وجعلني أعيد مراجعة نظرتي إلى نفسي وجسدي، بدأت أشعر بالتغير والثقة أكثر فأكثر، ووجدت نفسي أجرب ملابس كنت أخاف الاقتراب منها قديمًا.. الكاتبة شيماء محمد
أوليفيا كامبل أيضًا عارضة أزياء كبيرة الحجم، تقول عمن يعترض على دور الأزياء التي تقوم بتخصيص ملابس بأحجام كبيرة للعارضات كبيرات الحجم: «إنّ فكرة التخلص من الملابس بالحجم الكبير أمر مضحك بالنسبة لي لأنني أرتديها لنفسي ليس بوصفي عارضة أزياء زائدة الوزن فقط بل بوصفي امرأة ومستهلكة وهناك الكثير من النساء زائدات الحجم يفعلنّ مثلي». وتكمل: «لا يسوؤني أبدًا أن أُدعى بعارضة بحجم زائد، أنا فخورة بمناداتي عارضة أزياء بنفس الدرجة التي أفخر بها بكوني امرأة ذات وزن زائد».
الترويج لزيادة الوزن باعتباره أمرًا «جميلًا ومرغوبًا فيه»
تتضارب الآراء حول صحة ما تقوم به عارضات الوزن الزائد، فيما يؤيدهنّ البعض لأنهنّ يحسِّنَّ من صحة النساء النفسية ويزدنَ من ثقتهنّ بأنفسهن، فقد لا تكون العارضات زائدات الحجم مصدر إلهام لاعتماد نظام غذائي صارم وممارسة الرياضة الروتينية، لكن بإمكانهنّ إفادة النساء في أحجامٍ مماثلة بالشعور بإمكانية ارتدائهنّ لملابس جميلة ولطيفة تساعدهنَّ في تقبُّل أنفسهن بشكلٍ أكبر وربما شعور كهذا يعطيها الدفعة اللازمة والثقة لفقدان الوزن؛ فجزء من كونك «صحيًا» لا يعني أن تكون نحيفًا فقط، بل أن تمتلك شعورًا جيدًا تجاه نفسك وتكون سعيدًا فيما أنت عليه.
لكن يرى آخرون أنهن يقمن بعمل خطير وغير مسؤول بشكل فظيع؛ فالعديد من أتباعهنّ هم من المراهقات، قيل لهنّ أن نمط حياتهن غير الصحي على ما يرام ولم يعطوا أية تحذيرات من حتمية المرض، والألم، وربما الموت في نهاية المطاف. الأمر لا يعني أن عليهن اتباع العارضات الشديدات النحافة، لنتذكر آنا نيكول سميث، أو مارلين مونرو على سبيل المثال، كانتا ممتلئتان وجميلتان ، لكنهما كانا ضمن «الوزن الصحي»، لكن عارضة ملابس بحجم كبير جدًا تمثل مشكلة طبية، ولا يوجد أي نقاش بشأن هذه المسألة بين الأشخاص العقلانيين. لماذا يريد مجتمعنا أن يعزز ذلك باعتباره شيئًا ليس مقبولًا فحسب، بل جميلاً، أو مرغوبًا فيه أيضًا؟
«تطبيع» السمنة
إن تطبيع السمنة normalizing obesity مشكلة كبيرة ، هل دعاة هذه الحركة في حالة إنكار؟ إن الرسالة التي نرسلها إلى الشابات والفتيات جذرية، وقد تم استبدال الضغط عليها لتكون نحيفة بأنه لا بأس في أن تكون سمينة ، والأمران خطأ. *فيانكا كوتون Vianka Cotton
دراسة حديثة نشرت في the Journal of Public Policy & Marketing وجدت أن مشاهدتنا للعارضات بوزن زائديجعلنا أسمن، بحيث قاموا بعرض صور لعارضات بوزن زائد في شكل جميل وإيجابي ثم مراقبة تناولهن للطعام، تبين أنهن تناولن الطعام بكميات أكبر وأسلوب يبتعد أكثر عن الأسلوب الصحي، وهذان أمران يساعدان بالطبع في زيادة الوزن.
النسوية حادت عن الطريق الصحيح
ثقافة تقبل السمنة fat acceptance التي تتحدث عن أن الجميع جميلين بطريقتهم الخاصة، حتى لو أن طريقتهم الخاصة قد تكون مفرطة أعلى من الحد اللازم، تصبح معها النظرة للجسد body image بين النساء تصبح نوعًا ما وهمية، فلماذا أصبحنا نقبل السمينات بل ونعززهن ولا نقبل المصابات بفقدان الشهية رغم أن النوعين يصنفان باضطرابات طعام والنوعين بحاجة لعلاج؟ هل قبول السمنة تعني أن المجتمع بدأ يتقبل الدهون ويحتفل بها ويروج لها؟
الأصل بالنسوية أنها تحارب النظرة الجنسية للمرأة في وسائل الإعلام التي تستخدم المرأة بمعايير مثيرة واحدة باعتبارها غرضًا جنسيًّا ترويجيًا، لكن حركة إيجابية الجسم هنا -خصوصًا العارضات زائدات الوزن- ابتعدت قليلًا عن هذه الفكرة وأدخلت النساء زائدات الوزن في نفس الخانة «أنا أيضًا أستطيع أن أكون غرضًا جنسيًا» لتنحى منحى معاكسًا لما خطته النسوية في تحسين صورة المرأة. على موقعها الإلكتروني، تصف تيس -العارضة ذات الوزن الزائد- نفسها بأنها سفيرة الإيجابية الجسدية. فما هي الإيجابية التي تتحدث عنها؟
علينا أن نفهم معنى الإيجابية الجسدية جيدًا
لفهم معنى الإيجابية الجسدية ونحيدها عن التحوير وتغيير المعنى علينا أن نفهم هذه الثلاث نقاط فيما يخصها:
١- الإيجابية الجسدية لها معنى محدد، أول مرة استُعمل كان عام 1996، وكان استخدامها للتعبير عن النساء اللواتي كن يعانين من اضطراب فقدان الشهية، وخضعنَ لعلاجٍ حسَّنَ من صورتهنّ تجاه أجسادهنّ فأصبحن يأكلن حتى يصلن للوزن الطبيعي.
٢- كلمة إيجابية هنا أصبحت تُستخدم بشكلٍ يعتبره البعض «مضللًا»، مما أساء لها، الإيجابية الجسدية هنا لا تعني أن نشعر بشعورٍ جيِّد تجاه ما نبدو عليه دون القيام بأيّ شيء، بل يعني أن نقوم بالتغييرات اللازمة بنَفَس إيجابي للوصول إلى الوضع الصحي الطبيعي، وأية تغييرات باتجاهه هي تغييرات إيجابية على أية حال دون أية سلبيات أو ضغوطات قد تؤثر على الصحة النفسية للمرء.
٣- الإيجابية الجسدية هدفها ليس ماديًا فقط، لا تعني فقط أن هدفها ينتهي بممارسة الرياضة واتباع نمط غذائي، إنها تتجاوز المعنى المادي إلى الصحة النفسية التي تخلق بشكل يغير من نمط الحياة كاملًا ونظرة المرء تجاه نفسه والشعور بالأمان تجاه نفسه.
Andi Zeidler يقول فيما يخصُّ تشويه مصطلح الإيجابية الجسدية في التسويق: «التسويق لمنتجات النحافة هنا تستغل الجانب المادي من الإيجابية الجسدية فقط، فتخلق عند المرأة انعدام الأمان، ما يجعلها مستهلكًا أسهل للشراء بحيث تروج الإعلانات لمنتجاتها بلغة تحررية نسوية، لكنها بنفس الوقت تستخدم مقاييس جمالية مستحيلة في عارضات الإعلان تروج لمنتجات تعزز من انعدام الأمان لا العكس».
هل راعى الإعلام النظرة النسوية للسمنة؟
تكره النسويات الطريقة التي تروج لها وسائل الإعلام لشكل الأجسام بصورة مثالية تدعو النساء إلى الكمال الجسدي، كأن تظهر صور نساء بجسد تم نحته بالفوتوشوب بجانبه عبارة هل جسمك جاهز للشاطئ؟ أدى ذلك إلى نشوء سوق ضخم للنساء لتحسين مظهرهن وصل إلى 586.3 مليار دولار عام 2014 عالميًا.
بدأ الإعلام بإدخال الصور المثالية للجسد الأنثوي منذ بدايات القرن العشرين في الجرائد والمجلات، ومع بدء صناعة الأفلام في العشرينيات والثلاثينيات بدأت تظهر صور الممثلات بصدر كبير وخصر نحيف ووركين عريضين.
تمَّ النظر لهذه الصورة الجسدية باعتبارها جسدًا مثاليًّا حتى الثمانينيات حين ازدادت الصور في الإعلام نحافة واختفت المكتنزات ذوات الخصر النحيل تدريجيًا من الإعلام وأصبحت أنماط الجمال المعروضة نحيفة وتغيرت معها معايير الجمال، كما تغيرت معها الصورة الإيجابية للجسد، خصوصًا أن أكثر من 80٪ من النساء والفتيات يقرأن مجلات الأزياء، كما أن معظم النساء يشاهدن 3 أو 4 ساعات من التلفاز يوميًا، وتتعرض النساء إلى صور لا حصر لها أثناء السير في الشارع، والتأمل من خلال الصحيفة، والتصفح عبر الإنترنت.
يؤثر هذا التعرض المستمر لصور الجسد «المثالية» على صورة الجسد عند النساء، حيث تشير الدراسات إلى أن التأثير يكمن في أن النساء يقارنّ أنفسهن بالصور، يستوعبن هذه الصور المثالية باعتبارها قاعدة، ويستوعبن الرسالة التي يجب أن يحكمن بها على مظهرهن.
هذه العملية من المقارنة، والاستيعاب الداخلي، والقبول تؤدي إلى آثار عديدة مثل: تشويه صورة الجسم (على سبيل المثال، الفتيات ذوات الوزن الطبيعي قد يعتقدن أنهن يعانين من زيادة الوزن) عدا عن الآثار العاطفية السلبية، والميل إلى الإفراط في التأكيد على أهمية المظهر، والتغيرات في عادات الأكل والإفراط في ممارسة الرياضة.
لزمن طويل كانت العارضات شديدات النحافة تُلام لترويج معايير جمال مستحيلة دفعت النساء إلى سلوكيات متطرفة من أجل إنقاص أوزانهن، وعند النظر في أسباب هذا التطرف سنجد الكثير من العوامل التي أدت إلى اضطرابات الطعام التي عانت منه النساء ليبدون بنحف العارضات، لكن لا يمكننا لوم صناعة الأزياء والإعلام باعتبارهما عاملًا أساسيًّا.
الأمر مشابه في زيادة الوزن، لا يمكننا لوم العارضات الزائدات الوزن في أنهن سبب في تلك الزيادة لدى النساء، هناك الكثير من العوامل التي تؤدي إلى السمنة، كاختلاف نمط الحياة وإمكانية الوصول إلى الأطعمة بشكل أكبر وتوافر الأغذية المصنعة بشكل أسرع وأرخص والكثير من العوامل الأخرى.
النسوية سبب في زيادة وزن «الجميع»
تكلمت روزي بويكوت مستشارة صادق خان عمدة لندن في حديثها في مهرجان هاي في سياق أن الاعتماد على الأطعمة السريعة زاد في نسبة السمنة بالعموم فقالت :«النساء تخلين عن دورهن في الطبخ، والمدارس وتخلت عن دورها في الطبخ، الجميع تخلَّوا عن دورهم في الطبخ». ربما يعود ربط وظيفة الإطعام بالمرأة منذ بدء الخليقة، إذ أن دور الأم بالإطعام بدأ بالرضاعة الطبيعية.
وفي العائلة في شكلها الحديث كان متعارفًا على أن الطهو دور المرأة ، ففي الخمسينيات والستينيات مثلًا كان هناك قسم مخصص للطبخ في الصحف اسمه «صفحة المرأة». لكن دراسة حديثة تحدثت عن أن النساء ومع دخولهن سوق العمل بأعداد كبيرة تخلين عن أعمالهن المنزلية -منها الطبخ طبعًا- وارتفعت بالتالي معدلات السمنة ورجعوا بذلك إلى أن النساء أصبحن يقضينَ وقتًا أقل في تحضير الطعام ووقتًا أقل مع أبنائهن مقارنة بالماضي قبل 45 عامًا، حيث كانت المرأة تعمل ما يقارب 25.7 ساعة أسبوعيًا في أعمال المنزل بينما في 2010 نزلت الساعات إلى 13.2، ليتم لوم النسوية مرة أخرى باعتبارها سببًا في زيادة السمنة -كونها تشجع النساء على الخروج للعمل-.
فإلى أي حد تعتبر هذه الدراسة منصفة للمرأة؟
أيضًا ووفقًا لدراسات أخرى فإن أعمال المنزل المذكورة أعلاه لا يشملها ساعات العناية بالأطفال، فترتفع بذلك مع العناية بالأطفال من 13.2 إلى 28 ساعة أسبوعيًا. وهناك دراسة أخرى تتحدث عن أن الشعور بالذنب الذي تحمله النساء العاملات لبُعدهن عن أبنائهن يجعلهن يقضين وقتًا نوعيًا أكبر من النساء غير العاملات، وحتى أكبر من النساء قبل 45 عامًا.
ففي عام 1965 كانت تقضي المرأة 10.2 ساعة أسبوعيًا وقتًا نوعيًّا مع أطفالهن -لا أعمال المنزل- يقرأن لهم أو يلعبن معهم وهكذا، بينما ارتفع هذا الرقم في التسعينيات إلى 14.1 ساعة أسبوعيًا، كل هذا طبعًا مع تزايد ساعات عمل المرأة مع السنوات مما قلل من وقتهن الخاص ووقت نومهن وزاد من الضغط عليهن.
أمر آخر، الدراسة أعلاه تستبعد ساعات عمل الرجل المنزلية تمامًا، لأن هناك دراسات تخبرنا بأن ساعات مشاركة الرجل بالأعمال المنزلية زادت مقارنة بالأمر قبل 40 عامًا، وأن ما نسبته 42% يقومون بالطهي مقابل 22% عام 1956، أي أن قلة ساعات عمل المرأة المنزلية -منها الطبخ- يقابلها مشاركة الرجل في أعمال المنزل بشكل أكبر.
32 % من النسويات، مقارنة مع 49%من النساء التقليديات، غير راضيات عن مظهرهن العام. وهذه نسبة تدل على أثر النسوية في تحسين الأمور ولو قليلًا، لكن ما زالت النسب تدل على عدم ارتياح النساء تجاه أنفسهن وكما يقول ستيفمارابولي -عالم سلوكي- «لا يوجد شيء أكثر ندرة ولا أكثر جمالًا من أن تكون المرأة عفوية بكل عشوائيتها، أن تكون مرتاحة في نقصها المثالي، بالنسبة لي هذا هو جوهر الجمال الحقيقي».